يذهب الناس عادة للمتاحف للتعرف على ثقافات الشعوب أو لشغفهم بالتاريخ أو للتعلم وأحيانا لترسيخ مفهوم الولاء للوطن،على أى حال زيارة المتاحف هى نزهة ثقافية مفيدة، لكن بعض المتاحف قد تكون غريبة وبعيدة تمامًا عن ثقافتنا العربية الدينية،من بين هذه المتاحف الغريبة ” متحف الثقافة الجنائزية العالمية ” و المعروف باسم متحف الموت في مدينة نوفوسيبيرسك،والذى يعد واحدًا من أغرب المتاحف في العالم،وهو مخصص بالكامل للتقاليد الجنائزية وطرق الدفن وثقافة الحداد بين شعوب العالم المختلفة،من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر، فقد أراد مؤسس المتحف الذي جمع مجموعاته المذهلة من إظهار مدى تنوع ثقافة الدفن والوداع و الحداد، وأيضًا لتكوين تصور فلسفي متناغم لعالم الموت لدى زوار المتحف،ويركز المتحف على جيل الشباب، الذين يحتاجون إلى غرس المعرفة حول قيم الحياة الحقيقية، وأهمية تذكر الأجداد، وتعليمهم ألا يخافوا من الموت، بل أن يعيشوا حياة كريمة، فمما لا شك فيه أن خبر وفاة أحد الأحباء يؤثر في كل شخص بطريقة مختلفة، لكن الطقوس بعد الوفاة تأخذ أشكالًا فريدة من نوعها حول العالم، حيث تحتفل الثقافات المختلفة بالحياة، وتكرّم موت أفرادها بطرق تميّز تقاليدهم وثقافتهم، فإن الموت، كجزء من الثقافة الإنسانية يغير فكرة الشخص عن الحياة وفقًا لمؤسس المتحف،وشعار المتحف هو “من الموت إلى الحياة”. فمن أنشأ هذا المتحف وماذا يعرض ؟ فى السطور التالية نتعرف أكثر على قصة هذا المتحف الغريب.

بداية الفكرة وإفتتاح المتحف:
منذ العصور القديمة،ارتبط الموت بالخوف والألم والمجهول، حاول الإنسان طوال تاريخه كشف أسرار هذه الظاهرة الغامضة،ومع ذلك لا يزال الموت يكتنفه عدد كبير من الخرافات والألغاز وليس هناك أغرب من الموت،وإذا كنا نملك خبرة عن الحياة ونعرف بعض مظاهرها فإننا لا نملك أي معرفة حقيقية عن الموت،وكانت إحدى المحاولات الأولى لكسر هذا الغموض فى أحد المعارض الخاصة “معرض مدينة الموتي”، الذي تم إنشاؤه خصيصًا لمناقشة مثل هذه القضايا،ففي هذا المعرض، التقى السيد”سيرجي ياكوشن” أكاديمي في الأكاديمية الأوروبية للعلوم الطبيعية- نائب رئيس اتحاد منظمات الجنائز ومحارق الجثث من نوفوسيبيرسك، مع أحد منظمي الشركات المصنعة لمعدات حرق الجثث السيد”زدينيك ليشنر” من جمهورية التشيك،ونتيجة لتعاونهم المثمر، ظهرت أول محرقة خاصة للجثث في روسيا،والتى أصبحت الأساس لمتحف المستقبل “متحف الثقافة الجنائزية” .

تم الافتتاح الرسمي للمتحف في عام 2012، ولكن في الواقع ، بدأ ” ياكوشن” جمع مجموعته الأولية مع افتتاح محرقة خاصة للجثث في عام 2003، بدأ الطريق بتجميع بعض النقوش الجنائزية التي تعود إلى القرن 19 من سوق التحف الإنجليزية حتى وصل إلى 30 ألف معروض،وهو المتحف الوحيد من هذا النوع في روسيا مخصص للتقاليد الجنائزية لمختلف الشعوب، لكنه ليس الوحيد فى العالم حيث أنه يوجد حوالي 40 متحفًا من هذا القبيل في دول أخرى، مثل متحف مراسم الدفن في النمسا و لوس أنجلوس والمملكة المتحدة وغيرهم،وهو عضو في الاتحاد الدولي للجمعيات الدينية، كما أنه عضو في الرابطة الأوروبية لمتاحف الموت، ومن المثير للاهتمام،أنه قد تم إدراجه في قائمة اليونسكو للحفاظ على التراث العالمي للثقافة الجنائزية، وتم إضافتة إلى قائمة المواقع السياحية في نوفوسيبيرسك في مايو 2012، فهو مكانًا سياحيًا يجذب السائحين إلى نوفوسيبيرسك.
ماذا تشاهد فى المتحف:
يتكون المتحف من ثلاثة مبانٍ تقدم معروضات فريدة مكرسة لتقاليد الجنازة في العالم وثقافة الحداد من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر، تضم أكثر من 200 فستان حداد تاريخي، مجموعة ضخمة من النماذج الكبيرة والحقيقية للسماع ، 10000 نقش حول موضوع الدفن والحداد ، أكثر من 1000 لوحة لفنانين معاصرين حول موضوعات فلسفة الحياة والموت ، 9000 لوحة تاريخية وصور فوتوغرافية وأقنعة الموت لشخصيات تاريخية، وأمثلة فريدة لفن ما بعد الوفاة ،والمجوهرات التذكارية والعديد من المعروضات الأخرى التي تحتوي على التاريخ العالمي لثقافة الدفن والحفاظ على الذاكرة وتقاليد الحداد،يحتوي المتحف اليوم على آلاف المعروضات من جميع أنحاء العالم، ويعود تاريخ معظمها إلى القرنين 18 وا19.
المبنى الأول:

تم تخصيص المبنى الأول للعصر الفيكتوري، الذي بدأ منه آداب الحداد والبروتوكول وتقاليد الدفن في القرن التاسع عشر – أوائل القرن العشرين، الأزياء، الملابس والمجوهرات، فن التشريح، تاريخ حرق الجثث، أعمال الجنازات، وتم إضافة معروضات جديدة تتحدث عن: ملامح حداد الذكور، “مدفون حيا” – قصة دفن سابق لأوانه .
المبنى الثاني:

المبنى الثاني يعرض جنازات الشعوب والثقافات المختلفة، نسخ من توابيت الشخصيات المشهورة، تاريخ وحداثة تقاليد الجنازة لمختلف الشعوب والأديان، حياة وموت الشخصيات التاريخية، أحداث الحرب الوطنية عام 1812 ، الحرب العالمية الثانية، الملحنون الكبار وأعمال الحداد، تاريخ التحنيط ، تصوير الموت، أقنعة الموت، وتم إضافة معروضات جديدة عن حياة وموت الأباطرة الروس، قاعة رقصة الموت المبنية على متاحف المومياوات وعظام الموتى وسراديب الموتى .
المبنى الثالث :

في المبنى الثالث تاريخ أزياء الحداد من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن العشرين تاريخ النقل الجنائزي ،وتم إضافة معروضات جديدة : موكب جنازة محرقة الجثث في واقع افتراضي 360 درجة.
متحف الثقافة الجنائزية العالمية ، المعروف أيضًا باسم متحف الموت التاريخي والفني ، هو متحف له العديد من المعاني ولجميع الأعمار ، إن متحف الموت ، مثله مثل الموت نفسه ، يوحد الجميع ، بغض النظر عن الدين ، أو الآراء السياسية ، أو الجنسية ، أو النظرة إلى العالم ، في جو المتحف ، في هالة خاصة به.