شارع أرباط القديم فى موسكو- شاهد على التاريخ

يُعد شارع أرباط القديم في موسكو واحداً من أقدم وأشهر الشوارع السياحية التى يقبل عليه السائحين للتجوال ولشراء الهدايا التذكارية، طوله يصل إلى 800 م، لكن تاريخه يمتد لأكثرمن 500 عام، يبدأ من الطريق الدائرى (صادوفا) فى وسط العاصمة،بداية من مبنى وزارة الخارجية الروسية بالقرب من محطة مترو سمالينسكايا، وحتى  ميدان جوجلفسكى بولفارد  (الطريق الدائرى الصغير فى موسكو) عند محطة متروأرباطسكايا بالقرب من مدخل الكرملين، تغيرشكله ومبانيه على مر العصور، بدأ كمنطقة خارج أسوار المدينة،مكان تربط عنده الخيول فى القرن الخامس عشر،ثم تحول إلى شارعا تجاريا في القرن السابع عشر، وأصبح فى نهاية القرن الثامن عشر أحد أكثر شوارع الأرستقراطية والمثقفين، كل مبنى و كل قصر و كل منزل في هذا الشارع له تاريخا حافلا، ففيه عاش كبار الشخصيات والنبلاء والقادة العسكريون والسياسيون والمفكرون والأدباء والفنانون والشعراء من أمثال بوشكين وتولستوي ودوستويفسكي وغوركي ويسينين،و عشقه وغنى له المغنى و الشاعر بولات أكودجافا (وهو من ساكنى شارع أرباط القديم ) في إحدى قصائده فقال: “آه أرباط ..يا أرباطى .. أنت رسالتي..وسعادتي ومأسآتي..من حبك..لا يمكن لي ان أشفى أبدا.. رغم أني أعشق أربعين ألفاً”..سنأخذكم فى جولة سريعة للتعرف على شارع أرباط القديم،وهل صحيح أن أصل إسمه عربى ؟

أصل التسمية:

أرباط إسم قريب على الأذن العربية وبعيد تماماً عن أى كلمة فى اللغة الروسية، ويعتقد أغلب علماء اللغة الروسية أن كلمة أرباط قد اشتقت من كلمة عربية تعنى الرباط، وقد تكون من مشتقة من كلمة “أربا” من اللغة التاتارية أى عربة،وإرتبط الاسم بالتتارالذين أقاموا في هذه المنطقة عندما زاروا موسكو، على أى حال إسم”أرباط القديم” أطلق على المنطقة القريبة من أسوارالمدينة (الأسوار القديمة المحيطة بالكرملين) فى بداية نشأتها فى القرن الخامس عشر حيث كانت عربات الخيل تربط الخيول على الأسوار قبل دخول المدينة، وفى عصرنا الحاضر شارع “أرباط القديم” موازى لشارع “أرباط الجديد” الذى ظهر فى عصر الشيوعية مع خطة تحديث المدينة.

شارع أرباط القديم شاهد على التاريخ :

-شهد أرباط تغييرات اجتماعية نوعية كبرى عكست التحولات التي طرأت على المجتمع الروسي ككل، فقد بدأ كمنطقة خارج أسوار المدينة أقام فيها الحرفيون وسواس القيصر ومنظفوا مداخن قصرالقيصر (الكرملين) فى القرن الخامس عشر، ومع مرور الزمن عاش فيه الأمراء والنبلاء وكبار موظفي البلاط والتجار الكبار في أواخر القرن الثامن عشر، مبعدين بذلك القسم الأكبرمن الحرفيين وصغار التجار، مما يعتبر شاهدا على التغييرات التى حدثت فى المجتمع الروسي آنذاك في تطوره واتساع مداه الديموغرافي ونشاطه الحياتي في مفارقات سلم المكانة الاجتماعية .

-مر منه نابليون بونابرت بجيشه متجها الى الكرملين أثناء حملته العسكرية على روسيا عام 1812 م، ودمّر حريق هائل معظم مباني موسكو، وبعد إنسحابه وإنتصار الجيش الروسي،وبالطبع إحترقت معظم مبانى شارع أرباط القديم،وتم إعادة بناء جزء كبير من المباني فيه من جديد على الطراز المعمارى الكلاسيكى،واصطفت قصور النبلاء وضباط الجيش والتجار فى شارع “أرباط القديم”، وحوّلته إلى أرقى مناطق موسكو وأغلاها، والتي لا تزال قائمة وباهظة الثمن حتى يومنا هذا.

-مع نهاية القرن التاسع عشر عكس شارع “أرباط القديم” التحولات الاجتماعية الحاسمة فغدا مركزا رئيسيا للنقابات المختلفة ولنشاطات الثوريين والمفكرين،وظهرت فيه مكتبة ضخمة فعالة تم إغلاقها بعد حين مما يشير إلى أنه كان مرآة للواقع السياسي الاجتماعي المتغير بسرعة فى الإمبراطورية الروسية آنذاك.

-فى القرن العشرين ومع بداية البيريسترويكا،اكتسب الشارع زخما كبيرا حيث أصبح ساحة للتيارات الفنية والسياسية المختلفة،التي جاءت من كل حدب وصوب للتعبيرعن أفكارها، فلا تكاد تسير بضعة أمتار دون ان تستمع إلى عزف الموسيقيين أو ترى لوحات الرسامين الهواة، أو تجمعات لبعض أفراد المجتمع حول شخص يخطب فيهم.

وما زال شارع”أرباط القديم”محتفظا بطابعه الروسي حتى يومنا هذا، حيث ترى فيه بعض قصورالعصور الوسطى والتى تعبر عن الفن المعمارى الجميل،جنباً إلى جنب مع المطاعم بكافة أنواعها وجنسياتها،وتسابقت الماركات العالمية لشراء المتاجر،و خصوصاً متاجر المشغولات اليدوية الروسية التى تبهر السياح،ولهواة القراءة توجد منصات كثيرة لبيع الكتب الفنية والسياسية بل وحتى الكتب النادرة و يجد فيه عشاق اللوحات الفنية ضالتهم ، ولا تستعجب إذا تقابلت مع أحد أعضاء البعثات الدبلوماسية العربية فى شارع أرباط القديم،فهم يفضلون تناول الغداء أو العشاء فى المطاعم الحلال المنتشرة على طول الشارع.

العنوان: