يعتبر القرن الثامن عشر مميزًا في تاريخ روسيا، حكمت فيه النساء وتربعن على عرش الإمبراطورية الروسية لمدة 71 عاماً بعد وفاة الإمبراطور بطرس الأكبر، ،ولا شك أن كل منهن ساهم في تطوير الإمبراطورية الروسية، بدءاً بكاترينا الأولى زوجة بطرس الأكبر، ثم آنا يوانوفنا ابنة أخته، بعدها إليزافيتا بتروفنا ابنته، وبالطبع كاترينا الثانية أو العظيمة كما يحب أن يطلق عليها الشعب الروسي،وانعكس مصير هؤلاء الإمبراطورات في مصير روسيا.
فى العصور القديمة نجد أن دور المرأة في تاريخ روسيا كان صغيرًا نسبيًا، فالمرأة فى تلك الفترة لا تتمتع بشيء من الحقوق، حتى إنه لم يكن يحق لها إدارة شئون منزلها، أو حق تربية أولادها، الأمر الذي كان يعهد به إلى المربيات أو الخالات أو العمَّات، اللاتي كنَّ يربين الأولاد تحت مراقبة أب العائلة، والمرأة العريقة في الحسب وإبنة الأسرالنبيلة تحجز فى المنزل، ولا يسمح لهن بالخروج والاجتماع مع الرجال،ويصرِّحون لهنَّ بالخروج فقط لحضور الصلوات فى الكنائس أو لزيارة زوجة القيصر، وقبل زواجهنَّ ما كانت عينُ رجلٍ تقع عليهن مطلقًا،حتى إنَّ العريس ما كان يستطيع رؤية عروسه إلا بعد أن تصبح زوجة له، وكانت والدته وقريباته يخترن له عروسًا ويصفنها له، ولمدة ستمائة عام لم تلعب النساء دورًا مهمًا في الحياة السياسة، بإستثناءات نادرحدث عام (945م- 969م) حيث تولت الأميرة أولغا شبه الأسطورية أميرة “كييف روس “زمام السلطة بعد اغتيال زوجها الأمير إيجور ابن روريك (عائلة روريك وأولاده وأحفاده هم من حكموا روسيا لمده ٧٠٠ عام)، واشتهرت أولجا بكونها أميرة حكيمة،وكذلك الدوقة الكبرى إيلينا جلينسكايا (الوصي مع إبنها الصغير إيفان الرهيب)، والأميرة صوفيا الأخت الكبرى لبطرس الأكبروإيفان الخامس، والتي حكمت بحكم الأمر الواقع خلال فترة الوصاية على الإخوة الأصغر،غير ذلك لم يكن للمرأة الروسية أى دور فى الحياة السياسية، ومع مرور الزمن وتغيير الأحوال وخصوصاً بعد وفاة بطرس الأكبر عام 1725، بدأ عصرحكم النساء في روسيا بدءًا من :
الإمبراطورة كاترينا الأولى (1725-1727):

زوجة الإمبراطور بطرس الأكبر ، تم تنصيبها على العرش في فبراير 1726، تم إنشاء مجلس الملكة الأعلى كهيئة استشارية،والذي ضم بعض الأمراء المقربين، لكن في الواقع هذا المجلس حكم البلاد وقرر أهم قضايا الدولة،وخلال فترة حكمها، تم افتتاح الأكاديمية الإمبراطورية للعلوم، وتم إنشاء وسام القديس ألكسندر نيفسكي، وتم إبرام تحالف مع النمسا، وفي عام 1727م، توفيت الإمبراطورة كاترينا الأولى، ودُفنت في قبر الأباطرة الروس في كاتدرائية بطرس وبولس في سانت بطرسبرغ.
الإمبراطورة آنا يوانوفنا (1730-1740) :

آنا يوانوفنا ابنة أخت بطرس الأكبر،وبالرغم من أن إنتشارالمحسوبية في عهدها وشغفها بالفعاليات الترفيهية،إلا أنها تمكنت مع مجموعة الأشخاص الذين أحاطت بهم عرشها من القيام بالكثير من الأشياء المفيدة لروسيا،أهمها كان إصلاح مجلس الشيوخ، خلال فترة حكمها، وإعادة بناء السفن، وبدأت التدريبات المنتظمة مرة أخرى في بحر البلطيق،وأعيد فتح الميناء المغلق في أرخانجيلسك وترميمه في عهد آنا،و تم توجيه ضربة قاضية إلى خانات القرم، واستولت روسيا على قلعة خوتين التركية، واستلمت قلعة آزوف.
الإمبراطورة إليزافيتا بيتروفنا (1741-1761):

إليزافيتا بتروفنا الابنة المحبوبة للإمبراطور بطرس الأكبر أصبح والتى إستمر حكمها 20 عامًا،وحدث انتعاش كبير في العلاقات التجارية بين روسيا وأوربا، أيضاً فى عهدها ظهرت أول جامعة روسية (جامعة موسكو الحكومية عام 1755 بإسم العالم لومونوسوف)،وكذلك تم افتتاح أكاديمية الفنون عام 1760 والمسرح الإمبراطوري الأول،والبنك الأول في الإمبراطورية الروسية من خلال جهود هذه الإمبراطورة،بشكل عام تميز عهد إليزافيتا بتروفنا بالاستقرار والتركيز على تطوير ونمو الدولة.
الإمبراطورة كاترينا الثانية (1762-1796):

شكل عهد كاترينا الثانية حقبة كاملة 34 عاما، كاترينا هى زوجة بطرس الثالث إبن أخت الإمبراطورة إليزافيتا بيتروفنا والذى أسقطته كاترينا من العرش بعد ست شهور فقط من توليه السلطة بعد وفاة خالته إليزافيتا بيتروفنا، كان عهد كاترينا الثانية مليئًا بالعديد من الأحداث في الشؤون الداخلية والخارجية، بالرغم من أنها كانت أميرة نمساوية إلا أنها عشقت روسيا وكان مثلها الأعلى هو الإمبرطور بطرس الأكبر و يشار إلى فترة حكمها على أنها “العصر الذهبي” للإمبراطورية الروسية.

هزمت كاترينا الثانية وباء الجدري في روسيا، كان الجدري مرضًا قاتلًا والذى إنتشر فى أوربا، ففى عام 1730 أخرجت كاترينا طبيب من إنجلترا أعطاها لقاحًا أمام الجميع، والذي كان يمكن أن يكلفها حياتها بسهولة في ذلك الوقت لكن الإمبراطورة نجت وأصبحت قدوة لجميع رجال الحاشية ثم لروسيا، وفى عهدها تم تنفيذ الإصلاح النقدي الذي طال انتظاره، ولأول مرة في سانت بطرسبرغ وموسكو تم طباعة النقود الورقية، قامت بإصلاح نظام الشرطة، تم إنشاء مدارس كثيرة وأصبح التعليم شائعًا أكثر من أي وقت مضى، وتم إفتتاح جامعات جديدة،ووطدت وضع روسيا على البحر الأسود،وضمت جزرالقرم بعد معارك كثيرة مع الدولة العثمانية، وأنشأت :أول مؤسسة تعليمية للنساء في أوروبا (معهد سمولني للعذارى النبلاء)، وكذلك متحف إرمياج، والذي بدأ بمجموعة الإمبراطورة الفنية الخاصة ،ومسرح البولشوى فى موسكو،والقصر الصيفى «مجمع قصور و حدائق تساريتسينو» فى موسكو ، وكذلك حدث تطوير فى الزراعة فى عهدها، بعد وفاة كاترينا انتهى عهد حكم المرأة في روسيا لم تعد المرأة تشارك في الأنشطة السياسية، وتوجهت إلى المجال الخيري والمنظمات العامة المختلفة.
وهكذا ترك حكم كل منهمن بصماته على تاريخ البلاد.