حدائق وقصور تساريتسينو فى موسكو


فى جنوب العاصمة موسكو يقع مجمع ومحمية طبيعية و تاريخية تدور حولهما الكثير من الأساطير والألغاز ، وهو معروف أيضاً بإسم  «مجمع قصور و حدائق تساريتسينو»، يمتد على مساحة 1000 فدان ، وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من الغابات الخضراء الكثيفة ، يتخللها طرق ممهدة للمشى ، وفى أحضان تلك الغابات بحيرات يسبح فيها البجع والبط ، ونافورة ترقص على أنغام الموسيقى العالمية،ومرتفعات خضراء شُيِّدَتِ عليها مجموعة من القصور بنيت على الطراز القوطى الروسي فى القرن ال 18 تطل على زوار المكان من بين الأشجار، تحفه فنيه أبدعها المهندسون الروس ، جسور تعبر البحيرات وتوفر إطلالات مذهلة على معظم مباني القصر الرئيسي ، هذا ويعتبر «مجمع قصور و حدائق تساريتسينو» من بين الأماكن المفضلة لسكان موسكو وضيوفها لقضاء أوقات سعيدة وسط الطبيعة الخلابة والتاريخ،أضف الى ذلك كله مجموعة من الصوبات الزراعية الدافئة والمشاتل تضم انواع كثيرة من النباتات والاشجار والزهور التي جلبت من شتى بقاع الأرض بطلب من الامبراطورة الروسية يكاترينا الثانية، فقد إشترت هذا المكان من مالكه الأصلى ودفعت 25 الف روبل،وأمرت ببناء مقر صيفى لها فى موسكو الامبراطورة يكاترينا الثانية (1762-1796) ، لكن الغريب والمدهش هو أنها لم تقيم فيه ولو لليلة  واحدة ! ياترى ما الذي يخفيه هذا القصر الذى رفضت يكاترينا الثانية العيش فيه؟ سوف نأخذكم فى جولة لنتعرف على أصل الحكاية

نبذة تاريخية

هذه المنطقة فى بدايتها فى العصور الوسطى كانت عبارة عن قرية ( عزبة ) يمتلكها التجار الكبار ذوى الأسماء المعروفة فى ذلك الزمن يطلق عليها إسم“الطين الأسود” وكانت تعتبر ضاحية من  ضواحى موسكو خارج المدينة،تعاقب عليها ثلاث عائلات كبيرة وشهيرة فى موسكو ، ففى عام  1663 ظهر أول مالك للعزبة عائلة “ستيرشنوف ” ، ثم ذهبت إلى عائلة ” جالتسين “ ، و فى القرن 17 تمت مصادرة القرية ، وقام بيترالأول إمبراطور روسيا بتسليمها إلى الأمير ” كانتمير” كهدية ومكافأة على التعاون فيما بينهم، بدأ المالك الجديد على الفور فى التجديدات ، وقام ببناء كنيسة حجرية ذات قبة واحدة وعمل على تعميق البحيرة العليا ، ثم ورثها إبنه الامير “ديمترى كانتمير” ، وفى عام 1775 وأثناء زيارة الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية إلى موسكو للاحتفال بنهاية الحرب الروسية – التركية ، وفى أحد جولاتها رأت تلك العزبة ، أسرتها المناظر الطبيعية الخلابة والبحيرات ، واشترتها فورا دون تردد ، مع جميع الأراضي المحيطة بها ، وفي الوقت نفسه وأطلقت  اسمًا أكثر تناغمًا يليق بالإمبراطورة الروسية “تساريتسينو” ، وكلفت مهندسا معمارياً يسمى“فاسيلي إيفانوفيتش باجينوف “ وكان من المهندسين المعماريين البارزين فى موسكو في تلك الفترة بهذا المشروع ليكون مقراً صيفياً لها فى موسكو ولإقامة الحفلات ولإستقبال ضيوفها ، على الطراز المغربي الموريتانى ،وتضمن المشروع خمسة قصور، ووافقت الامبراطورة فى البداية على مخطط باجينوف بأكمله ، وبدأ باجنيوف وإستمر فى البناء لمده لمدة عشر سنوات حسب الاتفاق ، و فى يونيو عام 1785 وصلت يكاتيرينا الثانية إلى موسكو وذهبت إلى العزبة، وكان باجينوف قد إنتهى من التخطيط والتنفيذ وظهرت القصور والجسور، تجولت الامبراطورة عبر القاعات وغادرت غاضبة ،وأمرت بتفكيكها وكلفت مهندساً معمارياً آخر “ماتفي فيدوروفيتش كازاكوف” وكان من أكثر المهندسين المعماريين تأثيرا في موسكو خلال عهد كاترين الثانية، وعمل على إستكمال  العديد من المساكن الخاصة للنبلاء ، واثنين من القصور الملكية، واثنين من المستشفيات، وجامعة موسكو ، ومجلس شيوخ فى الكرملين ، وخلال السنوات العشر التالية تم تفكيك القصر الرئيسى ويستطيع كل زوار المكان مشاهدة اساسات القصر المفكك الموجودة حتى اليوم ، و أجرى كازاكوف بعض التغييرات على واجهات القصور الباقية، و في نوفمبر 1796 توفت الإمبراطورة كاترين الثانية،وتوقف البناء في شكل غير مكتمل ، وبعد بضع سنوات ، بدأت المباني تتحول إلى أطلال.

لماذا رفضت الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية وأمرت بتفكيك المبانى؟

يوجد ثلاث تفسيرات :

١ عندما دخلت القصر بدت لها الغرف ضيقة وضيقة ومظلمة

٢ وربما يكون السبب الحقيقي لاستياء يكاتيرينا من باجينوف نفسه ، الذي تواصل بشكل وثيق مع الماسونيين وزين واجهات القصور بالرموز الماسونية

٣ قام باجينوف بعمل قصر الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية وآخر لإبنها بافل بنفس الحجم مع الأخذ فى الإعتبار سوء العلاقة بينهما فى تلك الفترة وكانت ما تزال على   يكاتيرينا الثانية  رأس الحكم

و خلال سنوات السلطة السوفيتية تهدمت بعض المبانى و تحول بيت الخبز إلى سكن شعبى وتحولت بعض المبانى إلى متاحف ،وفى الفترة 2005-2007 تم تنفيذ مشروع إعادة إعمار وترميم وتزيين حدائق وقصور تساريتسينو ،و تم تنفيذ كمية كبيرة من أعمال البناء والترميم بناءا على إقتراح من عمدة موسكو السابق يورى ليشكوف ليعود للمكان رونقه وروعته، واليوم يتضمن مجمع تساريتسينو :القصر الكبير، الذي صُمم بأسلوب يعبر عن قوة الدولة وعظمة الإمبراطورة «القصر الصغير» الذي يبدو أكثر تواضعاً في تصميمه الداخلي، وكان مخصصاً لاستراحتها، وبمثابة مقر إقامة «شخصي» لها أقيم على قمة هضبة صغيرة وأحيطت تلك القصور بحدائق تُعتبر حالياً من أجمل حدائق موسكو

يمكن زيارة حدائق وقصور تساريتسينو فى موسكو ومشاهدة أكثر من ١٥ معلم متميز وستناول منهم أهم المزارات فى حدائق تساريتسينو:

1القصر الكبير

القصر الكبير مثير للإهتمام حيث أن هندسته تجمع بين أسلوبين القوطية والكلاسيكية ، يتكون المبنى من جناحين مخصصين للإمبراطورة ، ومن الخارج يبدو الجزء المركزي من القصر مثيرًا للإعجاب بشكل خاص ، تزين المبنى مجموعة من الأبراج مع نوافذ مستطيلة مُحاطة بأقواس من الإبر، ونظرًا للواجهات الممتدة (يبلغ طول المبنى 68 قاعًا أو 146 مترًا) ، يبدو المبنى أساسيًا ، كما أن وجود الأبراج والعديد من الأقواس يمنحه مظهرًا قويًا وثقيلًا، تم تدمير الهيكل الفريد ، الذي أقيم في عام 1775 من قبل المهندس المعماري البارز باجينوف ، بأمر من كاترين الثانية،ثم أعيد بناء المبنى الجديد من قبل المهندس المعماري ميخائيل كازاكوف ، لكنه لم يتمكن أيضًا من إكمال العمل ،وفقط في عام 2007 بعد إعادة إعمار لمدة عامين ، ظهرت القصر الكبير كما نراه حاليا

2القصر الصغير:

يعتبرالقصر الصغير لؤلؤة معمارية حقيقية في محمية تساريتسينو، ويقع على تلة على شكل هرم مجاور للقصر الكبير على اليمين ،وهو من المباني الرائعة الموجودة في الحديقة،يبدو المبنى أشبه بجناح خاص في الحديقة وعليه حرف إى أول حرف من إسم يكاترينا ، الذي يزين الواجهة الشرقية للقصر الصغير ، يتحدث عن الغرض الخاص للمبنى، ربما كان من المفترض أن يكون مخصصًا لإقامة الامبراطورة

3بيت الخبز (مبنى المطبخ)

بيت الخبز هو أكبر مبنى في المجمع المعماري لمحمية و متحف تساريتسينو ،يقع المبنى الضخم على مقربة من القصر الكبير،وهو عبارة عن مكعب ذو زوايا دائرية ، يعود اسم “بيت الخبز” إلى القرن التاسع عشر ويرتبط بنقوش بارزة على شكل فطائر وأرغفة تزين واجهة المبنى، بناه المعمارى باجينوف في 1784-1785 ،وإستكمل البناءالمعمارى كازاكوف المبنى فى عام 1785 ، ويتكون المبنى من المطابخ وغرف المرافق والمستودعات ، في الطابق السفلي يوجد في وسط المبنى فناء ، حيث تدخل الزلاجات مع الحطب والطعام ،وأيضا في المبنى كانت غرف المعيشة للموظفين، وعلى مر الزمان لم يكن مبنى بيت الخبز فارغًا أبدًا ، فقد كان يضم مستشفى وبيتًا صغيرًا ومدرسة وبيتًا ريفيًا ، وتحت الحكم السوفيتي تحول إلى شقق للسكن الاجتماعى ، وخلال إعادة إعمار 2005-2007 تمكن المهندسون المعماريون من الحفاظ على المظهر التاريخي للمبنى وإنشاء متحف فيه مجهز بمعدات حديثة وحاليا ،و يتم استخدام غرف مبنى المطبخ كصالات للمعارض،والفناء مغطى بقبة زجاجية ويتحول إلى ردهة و يتم تنظيم المعارض والحفلات الموسيقية

4 القصر الأوسط دار الأوبرا

في الحديقة و خلف القصر الصغير في زقاق البتولا ، هناك مبنى جميل للغاية ، هذا هو دار الأوبرا ، أو القصر الأوسط ، أقامه فاسيلي باجينوف في 1777-1778 لكاترين الثانية ، فقد كان القصر الأوسط مخصصًا لهوايات يكاترين الثانية ( المشي والحفلات الموسيقية ، حيث كان بإمكانها تناول فنجان من الشاي هنا ، وإجراء محادثات أو لعب الورق) ،ومع وجود صور النسور ذات الرأسين فوق المداخل الرئيسية للمبنى ، يمكن أن تكون قاعات القصر أيضًا كانت لحفلات الاستقبال الرسمية الصغيرة للضيوف المهمين ، وتتمتع دار الأوبرا بديكور أكثر تطوراً وتصميمًا بعناية ، مما يمنحها الأناقة والخفة ، يوجد حاجز طويل على الجانب الشرقي للقصر ، يبدو مثل ستارة المسرح ، والعناصر في شكل نجوم ودوائر وإشارات كوكبية تشير إلى شعارات الماسونية التى زيين بها باجينوف الواجهه ،ولمدة قرنين لم يتم استخدام المبنى،و بعد إعادة الترميم ، كان دار الأوبرا (القصر الأوسط) لمدة عشر سنوات موقع المعرض الرئيسي للمتنزه و منذ عام 2007 تم وضع المعارض الرئيسية لاحتياطي المتحف في القصر الكبير.

5الجسر المجسم :

الجسر المجسم في حديقة تساريتسينو هو عمل معماري فريد من نوعه ، و جزء من مجموعة القصر والمتنزه بنى من قبل المهندس المعماري فاسيلي باجينوف في عام 1776 ،ولعب دور المدخل الرئيسي للقصر ، كان الجسر المجسم بمثابة البوابة الأمامية والمدخل من اتجاه البحيرات حيث منه تفتح بانوراما جميلة لمباني القصر و البحيرات والمتنزه والمنطقة المحيطة بأكملها ، وهو عبارة عن هيكل ضخم ، يشبه الجزء المركزي جدارًا محصنًا مزينًا بأسنان ، و أعمدة نصف دائرية بأبراج ذات فتحات مدببة ،هذا هو واحداً من أفضل إبداعات باجينوف على الطراز القوطي

6 معرض الحجر ( قوس الأسنان)

للوصول إلى ساحة القصر الرئيسية في الحديقة ، تمر عبر قوس غير عادي على شكل أقواس تتداخل فى بعضها، مزين بمسامير حجرية غريبة ،تم بناء ؤه في 1784-1785 ، بنية زخرفية بحتة ، وعلى الأرجح ، أراد باجينوف الربط البصري بين المبنيين المهمين لقصور تساريتسينو القصر الكبير وبيت الخبز، ويربط القوس برجين مزينين بقمم وقلوب بزاوية حادة ، مما يمنح الهيكل مظهرًا احتفاليًا

7كنيسة السيدة العذراء  

تم بناء أول كنيسة في تساريتسينو في القرن السابع عشر من الخشب سرعان ما تدهور سريعًا وأعاد بناؤها الامير ديمترى كانتمير من الحجارة البيضاء وقبة واحدة ، مع برج للجرس من مستويين مرتبط بالهيكل الرئيسي تم تكريس الكنيسة في صيف عام 1765

8 بوابة العنب:

تقع البوابة بجوار القصر الأوسط (دار الأوبرا)، ويفصل جزء المنتزه عن القصر ،وهى أحد المباني الأولى فى المتنزه ، وقد تم تشييدها في 1777-1778 ،تعتبر البوابة أنيقة للغاية وليست عنصرًا فقط في المنتزه ، ولكنها أيضًا مجموعة نحتية، زخرفتها الرئيسية هي قوس مزين بنقش مخرم من الأحجارالبيضاء ذات الأوجه على قاعدة معدنية، يتوسطها عنقود من العنب ،صممه المهندس المعماري باجينوف، وإعتبرها نوعًا من شعار الحديقة

9 شرفة معبد سيريس (جناح ميلوفيد)

هذا هو الجزء الأكثر روعة في الحديقة يفتح أحد أفضل الإطلالات على المنتزه على البحيرة العليا للحديقة و الجزيرة من الجناح، يعتبر بحق أحد المعالم المعمارية الأصلية للقرن التاسع عشر المدرجة في مجموعة مباني حديقة تساريتسينو ،تم تنفيذ البناء وفقًا لمشروع المهندس المعماري إيفان إيجوتوف من عام 1803 إلى عام 1804 ، شرفة من ثمانية أعمدة ، في وسطها تم تثبيت تمثال للإلهة الرومانية القديمة سيريس وهي إلهة الزراعة والمحاصيل الزراعية والخصوبة و الأمومة والعلاقات العاطفية ،و في الخارج زخرفة منحوتة على شكل تماثيل رومانية ، بالإضافة إلى ميداليات على الواجهات وأبو الهول عند المدخل.

10برج  “الدرج اللعين”

على ضفة عالية من تساريتسينو يوجد برج غير عادي بناه المهندس المعماري إيفان إيجوتوف عام 1804،باستخدام بقايا الحجارة من أحد القلاع القديمة المتهدمة من القرون الوسطى ، فأنشأ جزء من جدار قلعة مع برج دفاعي وشرفة من الحجر الأبيض والطوب ، و تم تركيب سلم أعلى الجدار، و مع مرر الزمن كان المبنى متداعيًا للغاية ، وكسرت بعض درجات السلالم ، ونتيجة لذلك كان من السهل بما يكفي الصعود إلى القمة ، ولم يكن من السهل النزول لذلك أطلق على هذا المبنى “الدرج اللعين” بسبب صعوبة النزول بدون إصابات ، و في عصر الشيوعية إختاره المتسلقين لتمارينهم ، وحاليا تم ترميم وإصلاح السلم والشرفة ويستطيع زوار الحديقة الصعود والنزول بكل يسر وسهولة، يمكن من أعلى الاستمتاع بإطلالات ممتازة على المناطق المحيطة.

11 نافورة الضوء والموسيقى في تساريتسينو

تعد نافورة الضوء والموسيقى في تساريتسينو تحفة هندسية ومشاهدة ممتعة لا تضاهى ويتم سماع أنغامه السحرية من أي جانب من البحيرة في وسطها ،كما يمكن مواصلة التجوال ومشاهدة جزء آخر من حدائق وقصور تساريتسينو حيث يوجد جسر كبير فوق الوادي يمكن الوصول منه إلى مبانى: سلاح الفرسان الأول و سلاح الفرسان الثاني وسلاح الفرسان الثالث بالقرب من مجمع الصوبات الزراعية الدفيئة

العنوان : 1 شارع دولسكي ،115569 , موسكو , روسيا .
الموقع الالكترونى : http://en.tsaritsyno-museum.ru

6 comments

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.