يعتبر المسلمون في روسيا اليوم هم الديانة الأكبر بعد الديانة المسيحية الأرثوذكسية، حيث يبلغ عدد المسلمين فى روسيا من 25 إلى 30 مليون مسلم،علما بأن عدد سكان روسيا الإجمالى يبلغ ما يقارب من الـ 145 مليون نسمة أى أن حوالى 30% من الشعب الروسي هم من المسلمين، أغلبيتهم من السنة، منهم 3 مليون مسلم فقط فى موسكو ما بين مواطنين ومقيمين،و حاليا فى موسكو يوجد 5 مساجد منهم إثنان يرجع تاريخهم إلى زمن بعيد ولكل منهم قصة عبر الفترات الزمنية والتاريخية المتغيرة والتى مرت على روسيا، وممكن زيارتهم وآداء الصلاة فيهم ،فى السطور التالية يمكن التعرف المساجد الخمسة فى موسكو :
1) المسجد الأول أوالمسجد التاريخي:


المسجد التاريخى و أول وأقدم المساجد فى موسكو، يقع فى حى “زاموسكفوريتشي” أقدم أحياء موسكو ،والتى عاش التتار و مترجموا الأمراء التتار، والتجار مابين القرن 13-15فى هذا الحى ،بني من الخشب، في ساحة منزل مترجم هيئة الشؤون الخارجية الأمير “سولماميت مورزا سيمينه” ،وبعد وفاة الأمير قام الوريث ببيع المنزل للتاجر شوكين،ومع مرور الزمن ونتيجة للحرائق التى كانت تتعرض لها موسكو فى ذلك العصر إحترق جزء كبير منه ،وأصبح عتيقا، وعندئذ أزيل المسجد، وكانت صلوات الجماعة تقام في منازل التجار المسلمين المحليين.
وفي عام 1832،تم الحصول على ترخيص ببناء مسجد،فشيد على قطعة أرض كانت ملكا لتاجر من رابطة التجار الأولى هو “نزارباي خامالوف”، غير أن وظيفة المسجد الجديد الرئيسية، كدار للعبادة، لم تنعكس في هندسته المعمارية، فلم يتميز بأي شيء عن بيوت و القصور الفخمة الأخرى حوله، فكان يشبه من حيث المظهر بناء مدنيا عاديا يتكون من طابق واحد مع ما يشبه المئذنة فوق المدخل، وقد إكتسب شكله التام كبناء عبادة إسلامي في عام 1880، وعلى مدى القرن التاسع عشر، كان يعد مسجدا جامعا ومنذ القرن العشرين أصبح يسمى بالمسجد الجامع في زقاق فيبولزوف،والذى أطلق عليه فيما بعد المسجد التاريخي.
وبعد ثورة 1917 هدمت كثير من الكنائس في روسيا وأغلق البعض الآخر و بالتالى أغلقت أبواب المسجد التاريخى ، وعند تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1990، سمح بحرية العبادة،و تم إعادة ترميم المسجد بأموال المسلمين الروس وبعض التبرعات من المملكة العربية السعودية ، و فتحت أبوابه للمصلين ورفع منه الآذان وعاد للحياة مرة أخرى.
2) المسجد الكبير:


بدأ تاريخ الجامع في عام 1902 عندما قدم التاجران “باقيروف وعقبولاتوف” طلبا لمنحهما قطعة الأرض التي يقوم عليها المسجد حاليا،لبناء مسجد ثان في موسكو، وتم البناء بعد موافقة السلطات فى ذلك الوقت تبرع التاجر المسلم “صالح يوسوبوفيتش” بكامل التمويل، إفتتح الجامع الكبير عام 1904،و كان يتسع لحوالى200 مصلى ، وبعد الثورة البلشفية عام1917 أغلقت معظم الكنائس في روسيا وهدمت كثير منها فى روسيا، إلا جامع موسكو الكبير بقي مفتوحا أمام المصلين، وفى فترة لاحقة من تاريخ روسيا، استغل قادة الحزب الشيوعي جامع موسكو الكبير لتوطيد علاقاتهم مع الدول العربية والإسلامية،ليظهروا من خلاله أنهم لا يعادون الدين الإسلامي، ودخل المسجد الكبير فى البروتوكول الرسمي في العهد السوفييتي، و قام بزيارته العديد من زعماء الدول الإسلامية الذين حلوا ضيوفا على العاصمة موسكو وعلى رأسهم الزعيم “جمال عبد الناصر”،وأول رئيس لإندونيسيا “أحمد سوكارنو”، والعقيد “القذافى” ، وبين عامي 2010/2009 تصدع المبنى القديم إلى درجة أنه لم يعد ممكنا الصلاة فيه،حيث تجمعت المياه الجوفية تحت مبنى المسجد، نتيجة مرور أفرع نهر (نيجلينكي) تحت أرض المسجد، و تم اتخاذ القرار بإزالة المبنى القديم، وتشييد مبنى جديد يلبي كل المتطلبات، وفي مقدمتها القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين، وعند ذلك تقدم السيناتور من جمهورية داغستان في المجلس الفيدرالي الروسي “سليمان سليمانوف” بالاستعداد لتمويل بناء مبنى جديد بالإضافة إلى التبرعات والمنح من داخل روسيا و خارجها، وأعيد افتتاح مسجد موسكو في 2015 بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس قيرغيستان وكازاخستان ووفد من الأزهرالشريف ،وغيرهم من الشخصيات الاسلامية والعربية الذين حضروا الإحتفال الافتتاح الكبير .
استوحى المصممون شكل القبة الحالي للمسجد الكبير من شكل قباب موسكو الذهبية، وتزينها أيات من القرآن الكريم، طليت باثني عشر كيلو جراما من الذهب، وأصبح يتسع لـ 10000مصل فى وقت واحد، بالإضافة إلى وجود4 مصاعد فى داخله، تزينه ثريا من الكريستال وزنها 2 طن، فيها 350 مصباحا عملاقا،وبذلك أصبح واحداً من اكبر مساجد اوروبا ، وتحول المسجد إلى مركز ثقافي وعلمي لتدريس العلوم الإسلامية والتربوية.
3) مسجد يارديم في شمال موسكو :


يقع في منطقة أوترادنوي شمال شرق موسكو، بدأ العمل في تشييد مسجد جديد كان تمهيدا لبناء مجمع روحي تنويري للديانات التقليدية في روسيا، والذى يطلق عليه أحيانا القدس الجديدة، إفتتح في عام 1997،ويتميز بأن له مناريتن، و بمجاورته كنيسة ارثوذكسية صغيرة ومعبد يهودي،وهندستة المعمارية تشبه طراز مباني آسيا الوسطى وإيران، و أيضا مسجد إنام للمسلمين الشيعة.
4) المسجد التذكاري فى بوكلونايا جورا:


المسجد التذكاري يقع فى داخل حديقة النصر وهو مكان له قدسيته الخاصة عند الشعب الروسي، وبالتحديد بنى على تل يسمى “بوكلونايا جورا” أو تل الركوع، وتعتبر هذه الحديقة واحدة من أكبر الحائق العامة فى موسكو، بها كنيسة أرثوذكسية ومعبد يهودى، و متحف الحرب الوطنية العظمى كما يطلق عليها فى روسيا ، والتى كانت قد إفتتحت عام 1995 بمناسبة مرور 50 سنة على الحرب العالمية الثانية، وإنضم إليهم المسجد التذكاري ليكون نصب تذكارى للشهداء المسلمين الروس الذين شاركوا فى تلك الحرب، إفتتح في عام 1997 وليكون أكبر دليل على التعايش مابين الاديان المختلفة على أرض روسيا، المظهر الخارجي للمسجد به سمات مدارس معمارية مختلفة من الشرق الإسلامي، كالمدرسة التترية، والقوقازية ،وأصبح هذا المسجد أحد أكثر المعالم السياحية في المدينة ، وفي شهر الصوم المبارك تنصب بالقرب منه خيمة رمضان للإفطار .
5) دار أسادولايف المركز الثقافى التتارى:


بالقرب من المسجد التاريخي فى موسكو فى حى “زامسكفوريتشيه”، وعلى نفقة رجل الاعمال “آغا شمسي أسادولايف”، مليونيرمشهور في عالم البترول فى عصره وراعيا للعلم والثقافة التترية والإسلامية ،بنىت دار أسادولايف عام 1913 وعرفت فيما بعد بالمركز الثقافى التتارى .
قبل ثورة 1917 كانت دار أسادولايف تسمى المدرسة، وكانت مدرسة خاصة للبنين والبنات على نفقة التجار مع مراعاة أصول الشريعة الإسلامية، فكان للبنين أدوار مختلفة عن البنات وكانت تدرس فيها علوم دنيوية، وتقام في هذا البناء أمسيات للشباب المسلمين،بها مطبعة تصدر صحيفتان باللغة التترية، هما الكلمة: سوز،والبلاد، وكان يعقد فيها المؤتمر الإسلامي لعموم روسيا سنويا ً حتى العام 1914، كان يضم روضة للأطفال، ومدرسة، وناديا للشباب، ومأوى للأيتام، ومسرحا، ومطبعة، وكانت تعقد بها حلقات للاستماع إلى واحداً من أكبر الشعراء والكتّاب في الأدب التتري، والأكثر قرباً وتفضيلاً لدى الشعب التتري “موسى جليل”، وأثناء الحرب العالمية الثانية تحولت دار أسادولايف إلى مستشفى عسكري، ومن ثم وضع تحت تصرف مفوضية الشعب للشؤون الخارجية.
وفي العام 2003 أعيد المبنى إلى الجالية التتارية، وافتتح مجددا كمركز ثقافي تتري،حافظ المبنى على زخرفته الإسلامية وأثاثه ومحتوياته الشرقية، وهو الآن يجتذب جميع عشاق الشرق والراغبين تعلم اللغتين العربية والتترية.
هذا ويمكن لكل مقيم أو زائر أو سائح مسلم أن يقوم بممارسة شعائر دينه بكل حرية من صلاة وصيام بكل حرية ،وتفتح المساجد أبوابها بشكل يومى فى موسكو ، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من المطاعم الحلال التابعة للمساجد الخمس فى موسكو.