إيفان الرابع المعروف أكثرباسم إيفان الرهيب، باللغة الروسية (إيفان جروزني)، هو أحد أشهر الحكام فى تاريخ روسيا،حكم لمدة 50 عامًا (أطول من أي حاكم آخر لروسيا)،وتعد فترة حكمه من أهم وأخطر الحقب في تاريخ روسيا الحديث، لما حفلت به من أحداث وتطورات سياسية كبيرة،تأتي في مقدمتها الحروب الروسية التي خاضها القيصر في الشرق والغرب والسيطرة على أراضي واسعة جعلت روسيا دولة كبيرة بمساحتها وإمكاناتها،اشتهر بقسوته ووحشيته،وكان بلا شك شخصية غيرعادية، كان سياسي حكيم ودبلوماسي ماهر،ومعروف للعالم بأنه طاغية قاسي، بنى مدنًا وحصونًا جديدة،وأنشأ جيشًا نظاميًا في روسيا،و أنشأ أول دار للطباعة الروسية فى موسكو، فى السطور نتعرف عليه أكثر، وهل كان حقًا رهيبًا؟

نشأته:
ولد الأمير إيفان الرهيب عام 1530م،وترعرع بين ردهات الكرملين، تأثر بشكل كبير بآراء رجل الدين المتروبوليت ماكاريوس، ودرس العلوم اللاهوتية بدقة، وأعمال الفلاسفة، وتاريخ شعوب العالم حتى القرن 16، وتعلم البلاغة والشعر، والشؤون العسكرية والشطرنج والرياضيات والهندسة المعمارية،وكان لدى إيفان ذاكرة استثنائية ومواهب متعددة، فقد كان موهوبًا تمامًا.
جده هو الأمير المعظم إيفان الثالث (1462-1505م (موحد الأراضى الروسية،وواضع اللبنات الأساسية لبناء دولة روسيا الحديثة،جدته للأب الأميرة صوفيا باليولوج ابنة آخرامبراطوربيزنطي ،والده أمير موسكو الكبير فاسيلي الثالث من سلالة روريك ،والدته الأميرة “يلينا جلينسكايا”،أطلق عليه لقب جروزني باعتباره نعتًا للقيصرفي الاستخدام القديم للغة، و تعنى بالعربية:الشديد أوالصارم أوشديد البأس، دعا والده فاسيلي الثالث مستشاريه من كبار المحاربين وكبار التجارالذين أطلق عليهم”البويار” للاعتراف بابنه الأكبر البالغ من العمر 3 سنوات وريثًا للعرش قبل وفاته وتعيين سبعة أوصياء له، فقد والده في عام 1533،وانتقل العرش إلى الابن تحت وصاية الأم، وبعد 5سنوات فقط توفيت والدته في ظروف غامضة،ووفقًا لإحدى الروايات، أنه تم تسميمها، أدى وفاة والدي إيفان إلى صراعات مختلفة بين فصائل الإقطاعيين الذين كانوا يعتبرون الأوصياء على الأمير الشاب، وبدأ صراع على السلطة بين الأوصياء، مصحوبًا بعمليات قتل وعنف فى البلاد.
اعتلاء العرش:

عام 1547م توج على العرش في كاتدرائية الصعود داخل أسوار الكرملين في موسكو،عندما بلغ سن 16 عاما، وأصبح إيفان الرابع أول الأمراء الروس الذى يتم تتويجه كقيصروليس مجرد أمير روسيا المعظم ،كان للقب دلالات دينية، إذ لطالما ارتبط القيصر في النصوص الكنسية القديمة بالملك الذي ينفذ إرادة الله على الأرض،ويرمز إلى تولي سلطات مكافئة وموازية لتلك التي إمتلكلها الإمبراطور البيزنطي، وبعد أسبوعين،إختار”أناستاسيا زاخارينا ” لتكون زوجته، كان القيصر يحبها حباً جارفاً.
فترة الازدهار:

قام القيصر ببعض الإصلاحات وكان أحد أهدافه هو الحد من سلطات البويار والأمراء الوراثية (الذين حصلوا على ممتلكاتهم على أساس وراثي) وتعزيز مصالح طبقة النبلاء الخدمية، الذين احتفظوا بممتلكاتهم من الأراضي فقط كتعويض عن خدمتهم للحكومة ، وقد تمت تحت رعاية ما يسمى بـ “المجلس المختار”، وهي هيئة استشارية غير رسمية كانت تضم الشخصيات البارزة والمفضلة للقيصر،وكجزء من الإصلاح أنشأ القيصر جيشًا نظاميًا زاد بشكل كبير من القدرة الدفاعية للدولة،كانت روسيا في حالة حرب لفترة طويلة مع التتار، وكان حكام موسكو يخشون من توغل التتار، وبعد استعدادات مطولة انطلق القيصر إلى خانية كازان و نجح الجيش الروسي في الاستيلاء على المدينة،وأمربتشييد كاتدرائية القديس فاسيلى فى الساحة الحمراءعام 1555إحتفالا بالانتصار،و تم ضم خانية أستراخان، الواقعة عند مصب نهر الفولغا دون قتال عام 1556، وأصبح نهر الفولغا الطريق التجاري المؤدي إلى بحر قزوين نهرا روسيا آمنا، وتم تعزيز مكانة روسيا في الساحة الدولية،ونجح في تطوير العلاقات التجارية والدبلوماسية مع كل من دول أوروبا الغربية (إنجلترا وهولندا) ودول الشرق.
الحرب الليفونية والخيانة المشتبه بها للعديد من البويار الروس :

في عام 1558 خاض القيصرحرب في ليفونيا (لاتفيا وإستونيا حاليا) لمحاولة فتح منفذ لروسيا على بحر البلطيق انتصرت روسيا في البداية ونجحت في تدمير الفرسان الليفونيين، لكن مع إستمرار تلك الحرب لمدة 24 عاما،انتهت بهزيمة روسيا وفقدان عدد من الأراضي الروسية على بحر البلطيق، انزعج القيصر من آراء مستشاريه الذين حاولوا الحد من سلطاته، وأحس بأن هناك خيانة، وتملكته خيبة أمل بعد الحرب الليفونية وبدأ يشتبه ويشك في البويار الروس ، تزامن ذلك مع وفاة زوجته الحبيبة أناستاسيا عام 1560، حيث كان القيصر متأكدا أن أعداؤه سمموا زوجته،وأعلن في وقت لاحق من ذلك العام عن نيته في التنازل عن العرش بسبب خيانة البويار.
تشكيل جماعة الأوبريتشنيك:

ناشده سكان موسكو، بقيادة رجال الدين أن يستمر في الحكم، وافق على طلبهم بشرط السماح له بالتعامل مع الخونة كما يشاء، وبالفعل شكل جماعة عُرفت باسم أوبريتشنيكي عام 1565، جابوا البلاد وفرضو أوامره بالقوة ،كما تمتعوا بسلطة تامة لتعذيب وقتل أي شخص يشتبه في خيانته ،وكان إيفان مقتنعا بأن قادة المدينة، ورجال الدين، وأبرز المواطنين يتآمرون ضده، لذا ألقي القبض على الكهنة والرهبان وضربوا حتى الموت، كما تم تعذيب كبار التجار والمسؤولين والنبلاء وأعدموا، يميل المؤرخون إلى أنه ربما كانت سياسة أوبريتشنينا هي محاولة القيصرإيفان إنشاء دولة شديدة المركزية وتدمير القوة الاقتصادية والسلطة السياسية للبويار، استمرت سياسة أوبريتشنينا لمدة 7 سنوات فقط، وأُلغيت نتيجة للفشل في الدفاع عن موسكو من أحد هجمات تتار القرم.
وفاة القيصرو نهاية عهد سلالة روريك :

تسبب إثارة إيفان المستمرة للحرب وترويعه لشعبه وهجومه على رجال الدين والنبلاء والطبقة المتوسطة وتعذيب وإعدام أي شخص في انهيارالاقتصاد الروسي، خصوصا مع تقدمه في السن وتدهور صحته ،وخلال فترة حكمه تزوج إيفان الرهيب عدة مرات ،و كان لديه ثلاثة أبناء: من الزواج الأول ولدان هما: إيفان وفيدور،ووفقًا لإحدى الروايات كانت أحد آخر الأعمال الوحشية في عهده عام 1581، قام بضرب زوجة ابنه الحامل لارتدائها ملابس غير محتشمة مما أدى إلى إجهاض الجنين، فدخل الابن في جدال ساخن مع والده انتهى بأن قام إيفان بضرب ابنه على رأسه مخلفا جروحا بليغة أدت إلى وفاته ، وما كان للقيصر إلا أن شعر بقية حياته بالندم من هذه الفعلة الشنعاء،كما كان له ابن ثالث يسمى ديمتري، المولود في زواجه الأخير من ماريا ناجا، توفى فى الثامنة من عمره ويعتقد المؤرخون أنه قتل .
تدهورت صحته وتوفي إيفان جراء سكتة أثناء لعبه الشطرنج مع أحد أصدقائه المقربين عام 1584 م وانتقلت السلطة لابنه فيودور، الذي توفي عام 1598، لتنزلق روسيا في فترة من الفوضى أصبحت تعرف بـ”الفترة المظلمة”في التاريخ الروسي، وانتهىت عهد سلالة روريك والتى حكمت روسيا مايقرب من 700 عامًا.