راسبوتين: قدّيس أم دجال؟


“جريجوري راسبوتين” يُعد من أحد أكثر الشخصيات الروسية شهرة وجدلا وغموضا على مرالتاريخ، إعتبره بعض الذين عاصروه دجالاً وتجسيدا للشيطان، والبعض الآخر إعتبره قديسا وشهيدا صالحا، كما أن الطبقة العليا في المجتمع الروسي إعتبروا أنه كان بالفعل مصدر كل مشاكل روسيا القيصرية ، أما بالنسبة لأعدائه فقد كان تجسيدا للشر الذي دمر كل من تجرأ على الوقوف في طريقه إلى السلطة معتمدا أسلوب القتل والفساد مما أدى إلى تقويض سمعة عائلة رومانوف الحاكمة .. الأمر الذي أدى لاحقا إلى خلعها وإعدامها بعد أن حكمت روسيا لثلاثمائة عام .. وبرحيلها تغير تاريخ روسيا إلى الأبد! قصة مثيرة وبها كثيراً من الغموض ،وإليكم التفاصيل فى السطور التاليه

البداية فى قرية نائية في أعماق سيبيريا

البداية فى قرية نائية في أعماق سيبيريا

ولد جريجوري يفموفيتش راسبوتين في سيبيريا قرية تسمى بوكروفسكوي في مقاطعة توبولسك  22 يناير 1869، و في سن الثانية عشر من عمره إحترق المنزل ، وتوفيت والدته ، وبعدها بفترة قصيرة كان يلعب على ضفة النهر مع شقيقه ميخائيل فجرفهم النهر فلقي أخيه حتفه أما راسبوتين أنقذه  أحد الفلاحين وظل في غيبوبة ، لكنه أفاق منها وهو يتمتع برؤى روحية غريبة وقدرات عجيبة على شفاء الجروح بمجرد لمسها ، وحين بلغ سن المراهقة تزوج وكون عائلة ، كان يعمل في ترويض الخيول وكانت تلك مرحلة مضطربة من حياته ، إذ انضم إلى بعض اللصوص وصار قائدا لهم ، ثم سرعان ما انغمس في حياة الفسق وشرب الخمور ، ولذلك أطلق عليه  اسم “راسبوتين” والتي تعنى ” الفاسق أو الماجن”، وأصبح راسبوتين حديث أهل القرية،و في إحدى المرات عجز الطبيب عن شفاء إحدى المريضات، فبعث أهلها في طلب راسبوتين صانع العجائب فذهب إليها ورفع يديه إلى السماء باسطا كفيه بحركات تشنجيه على جسد المرأة ، وأخذ في تلاوة ادعيه عجيبة وحدثت المعجزة نهضت المرأة من فراشها تروح وتغدو كأنها بعثت إلى الحياة من جديد

راسبوتين والكنيسة الروسية

راسبوتين والكنيسة الروسية

حين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقض وأصول الحياة العائلية التقليدية ،وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحول في حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته، حيث استغل قوته الخارقة لإقناع كاهن كنيسة بأن يعطيه ثيابه الكهنوتية القديمة ومعها شهادة مزورة تثبت انه راهب في الكنيسة ،وبهذا يستطيع أن يجمع التبرعات من جميع القرى المجاورة، وطاف أنحاء روسيا حاجا كما إدعى ،وعلى الرغم من أنه لم يشغل أي منصب رسمي في الكنيسة الروسية الأرثوذكسي الا أنه استطاع أن يجعل لنفسه اسما كرجل دين ، ولعب دور الطبيب الشافي ، امتلك حجج وأساليب خاصة في مخاطبة العقول، فأضحى يقنع أي إنسان انه إذا أراد التوبة فعليه أن يمارس الخطيئة أولا ،و ذاع صيت راسبوتين، خلال جولاته التي استقطب فيها إعجاب الأرستقراطيين ورجال الدين، حتى أن أهل موسكو اعتبروه “مرشدا روحيا” أو (رجلا مقدسا) مما زاده قوة، وكان يعتبر نفسه الوسيلة التي يخطئ الآخرون بواسطتها ، وبالفعل وقعت نساء كثيرات في فخه ، ولم يطل الأمر حتى أوصلت هذه التركيبة العقلية الخطيرة “راسبوتين” إلى العاصمة سانت بطرسبرج وهو في الرابعة والثلاثين من عمره

وصول”راسبوتين”إلى مدينة سانت بطرسبرج

وصول”راسبوتين ” إلى مدينة سانت بطرسبرج

مدينة سانت بطرسبرج عاصمة الامبراطورية الروسية على مدى ٣٠٠عاماً ،مدينة القياصرة الروس عاش فيها الأغنياء والكتاب والشعراء والمشاهير، لكنها خلال السنوات الأولى من القرن العشرين كانت تعانى من فوضى داخلية وتهديد خارجي كحال روسيا كلها بعد إنتهاء الحرب العالمية الاولى وقبل الثورة وبالتحديد ١٩١٦ في تلك المرحلة الحساسة من تاريخها ، فقد كان الأغنياء والنبلاء يسعون وراء التسلية والعبث غير مكترثين بالفقراء والكوارث المحدقة بالبلاد ، أما الكنيسة فكانت تبحث بين عامة الناس عن رجل يمتلك قوة روحية حقيقية ، وحتى الامبراطور كان يبحث عن أشخاص على شاكلة راسبوتين ليضفي على نفسه نوعا من السلطة الإلهية،  سمعة راسبوتين كمبشر ، وقدراته الخارقة ، كانت قد سبقته إلى المدينة ومهدت له سبيل الوصول إلى صالونات النبلاء وأغنياء العائلات، رجل يرتدى معطف من الجلد وحذاء قروي وقميص رائحته اقرب إلى رائحة الماعز، شعره أشعث اسود وطويل، ولحيته سوداء كثيفة ومتسخة ، وكان يفرق شعره في المنتصف ويسرحه على جبهته ليخفى على ما يبدو اثر جرح ما ،هكذا وصل “راسبوتين ” إلى مدينة سانت بطرسبرج

راسبوتين يدخل القصرالإمبراطورى

صورة لراسبوتين مع زوجة القيصر وولى العهد وأخواته

فى عام ١٩٠٣ وصل كلاما عن قوى صوفية قادمة من سيبريا ذات عيون وحشية مضيئة، ونظرة مجنونة، وبدا أن راسبوتين كان قد حدد موعدا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب، وقد ساهم في ذلك أن الطبقة الأرستقراطية التى كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، ووجد راسبوتين طريقه بسهولة إلى مجالس الطبقة الارستقراطية  في المدينة ، و قابل سيدة تدعى ” أولجا لوكينا ” التى كانت تعانى من مرض عجز الأطباء عن علاجه ، لكن راسبوتين اكتشف بأن مرضها مرتبط بجذورالاكتئاب لديها وأقنعها بضرورة امتلاكه لروحها وجسدها لكي يتم علاجها ، ولقد نجح العلاج نجاحا باهرا ،وهكذا أصبحت ” اولجا لوكينا ” عشيقة راسبوتين وبدأت تعلمه القراءة والكتابة وآداب السلوك ، ثم قدمته إلى صديقاتها الكونتيسات فانبهرن به أيضا ، وسرعان ما اشتهر بقدرته الخارقة على قراءة المستقبل من خلال نظرة العين ، وفي عام ١٩٠٥ قابل راسبوتين عالم لاهوت كان يعمل رئيسا لأكاديمية دينية وكاهن اعتراف للإمبراطورة إلكسندرا فيودوروفونا، والذى قدمه فيما بعد للإمبراطور الروسي نيقولاى الثانى ودخل راسبوتين القصر الامبراطورى ،وفي قصر أحد النبلاء ، حدث أول لقاء بين ” راسبوتين ” والقيصر ” نيقولاى الثاني ” وزوجته القيصرة ” الكسندرا ” واخذ راسبوتين في الحديث بدون أي تكلفة أو صبغة رسمية إلى القيصر الذي تأثر جدا به وهو يروي لهما عن الحياة المظلمة القاسية في سيبيريا وعن فقر وبؤس البسطاء وصبرهم اللانهائي .. وعن وجود الله في كل أحداث اليوم الصغيرة ، وكيف أعطاه الله قوة روحية ليشفى بها أعصى الأمراض

ولي العهد المريض

راسبوتين ووريث العرش الوحيد الطفل ” اليكسي”

وفى العام 1906 تم استدعاء ” راسبوتين ” إلى قصر القيصر ليروا إذا ما كانت قدراته الشفائية مفيدة أم لا!  على أثر حادث أليم لولى العهد وريث العرش الوحيد الطفل ” اليكسي” الذى كان مصاب بمرض نادر وخطيرآنذاك ، وهو  الهيموفيليا ، (بمعنى أن أي نزيف دموي ناتج عن جرح بسيط لن يتخثر)يتجلط( وسيبقى الدم يخرج بصفة مستمرة مما يؤدى بحياة المريض) ، وكانت القيصرة بحاجة إلى من يشفى ابنها لأنها كانت تشعرأنها السبب في جلب المرض إلى عائلة “رومانوف” ، إذ ورثته عن جدتها فيكتوريا ملكة انجلترا ، وكانت ترى في مرض ابنها عقابا من الله ، وكان لوصوله تأثير مهدئ عجيب على القيصرة التي كانت في حالة هسترية وكانت تظن بان ابنها لن يشفى إلا بمعجزة ،وما أن لمس ” راسبوتين ” الطفل حتى توقف نزيف الدم في الحال .. ويبدو أنه استخدم التنويم المغناطيسي الإيحائي في علاج الطفل .. وبعد ذالك أصبح تردد راسبوتين على القصر يزداد أكثر فأكثر ، ووفى ١٩١٢أدت حادثة أخرى إلى ترسيخ موقعه في القصر ، حيث كانت القيصرة تركب الخيل مع ابنها الأمير ” اليكسى ” الذي سقط عن حصانه وأصيب بنزيف وسالت دماؤه ، ولأن راسبوتين كان مسافرا بعيدا عن العاصمة آنذاك ، فقد أرسلت القيصرة برقية إليه تستعجل عودته ، وقد رد راسبوتين على القيصرة ببرقية جوابية قال فيها: ” إن الله استمع إلى صلواتك ورأى دموعك ولهذا فأن طفلك لن يموت ، لكن اخبري الأطباء بالا يزعجونه كثيرا وضعي هذه البرقية فوق رأسه”، وبالفعل أخذت القيصرة البرقية ووضعتها على الأمير فحدثت المعجزة وتوقف النزيف

:نفوذه وشهرته

راسبوتين والامبراطور وعائلته

كان راسبوتين ذو شخصية مزدوجة  فبعدما كان يصلى بحرارة لشفاء الأمير كان يذهب مباشرا إلى دار البغاء ، وكان يتفاخر بقدراته الجنسية بنفس القدر الذي كان يتفاخر فيه بقدراته الروحية ،  كان كنجم الغناء الذي عرف الشهرة بين ليلة وضحاها فأصبح لا يعرف ماذا يفعل بماله وشهرته  كان يجول منازل الارستقراطيين ويستمتع بإهانة من هم أعلى منه مكانة ،والعجيب أن كل السيدات كن يتقبلن كل شيء منه ويفعلن كل ما يطلبه منهن فلقد شكل بلا ريب مصدرا للافتتان والإعجاب ولم تسلم أي امرأة من تصرفاته ، قسم وقته بين شقق الأثرياء وبين عمله الأسبوعي في القصر ، وبعد مدة قصيرة صار مقيم في جناح القيصرة الخاص بعد أن أقنعت القيصر بان هذا الراهب هو الذي يقدر أن يحمي الجميع ، وكان ” راسبوتين ” يقوم بدور مستشارها الخاص والمؤتمن على أسرارها ، ومن الواضح أنها كانت ترتاح لوجوده كثيرا ، واهم الأسباب في ذلك يعود لتأثيره المهدئ في أبنها الأمير ، لكن بتقرب راسبوتين أكثر فأكثر من القيصرة كان من الطبيعي أن يزداد عدد الحاقدين والمتآمرين عليه ، فقد سلبهم الرجل منزلتهم ، لكن لم يستطع احد إظهار موقف معادي لراسبوتين لان كل من فعل ذالك كان يسرح من عمله

” مدينة إبليس” و تحالف الأعداء

مدينة سانت بطرسبرج تتحول إلى ” مدينة إبليس”

أصبح الجميع يتملقون راسبوتين وامتلأت صحف سانت بطرسبرج بقصص ضحايا الاغتصاب وصور كاريكاتيرية هابطة وفاضحة كان راسبوتين محورها طبعا ،فتأثير راسبوتين في البلاط القيصري كان يزداد يوما بعد آخر وأصبح بإمكانه فعل أي شيء: كتعيين أسقف وعزل آخر ، حتى انه عين رؤساء وزارة وعزلهم فيما بعد، وكان الأمل الأخير لوقف هذا الفساد معلقا على وجود وزارة مخلصة ، وكان رئيس الوزراء ” بيترستالين ” الذى جمع بالفعل أدلة كثيرة ضد راسبوتين، فجمع ملف ضخم بفضائح راسبوتين ، واثبت الملف أن راسبوتين شرير وانه قادر على جعل القيصر وزوجته دمى يحركها كيفما يشاء ، وقدمه للقيصر والذى عرضه على زوجته التي ادعت أنها مجرد أكاذيب وان راسبوتين مضطهد حاله حال القديسين ، ولم تمضى فترة حتى اغتيل رئيس الوزراء ” بيترستالين ” بإطلاق النار عليه في دار الأوبرا بينما كان يحضر عرضا مع القيصر وزوجته ، وبإزاحة ألد أعدائه عاد ” راسبوتين ” بقوة إلى الواجهة وعاقب جميع الوزراء فعمت الفوضى وعدم الاستقرار في قلب الحكومة المترهلة ،وفى ذلك الوقت كان اثنين من أنصار راسبوتين السابقين هما راهب يميني متعصب يدعى” ليودور”،و أسقف ساراتوف “هيرموجان” على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيدا للشيطان، وفي عام ١٩١١ استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيام بمعجزاته وضرباه بصليب لكنه نجا وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولا قتله، ومن ثم تم نفي الرجلين ، وفي عام ١٩١٤ عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا ،وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينما كان في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة بوحشية مستخدمة سكينا، لكن راسبوتين لم يمت أيضاً هذه المرة ، وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفى من الطعنات ، كان القيصر نيقولاى يحشد قواته استعدادا للحرب العالمية الأولى، التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسي أرواحهم. وبالعودة إلى سانت بطرسبرج ومع غياب القيصر، استطاع راسبوتين اكتساب المزيد والمزيد من القوى السياسية، وساهم في تعيين وطرد الوزراء. وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية، زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانت منها البلاد، حتى أن مدينة سانت بطرسبرج أصبحت تعرف باسم ” مدينة إبليس” فى ذلك التوقيت

نهاية وموت الشطان

صورة لجثة راسبوتين ومسدس الجريمة

بدأالجميع في روسيا يعتبرون راسبوتين شيطانا ، أقارب القيصر حملوه مسئولية إضعاف الحكم القيصري ، والشعب أصبح يعارض بشدة نفوذه وسيطرته على الحكم ، وامتدت هذه المعارضة لتشمل كبار الضباط وأعضاء الحكومة ، واتفق الجميع على أن وجود راسبوتين أصبح غير مرغوب فيه ، وبدأ تدبير خطط للتخلص من راسبوتين ، وبالطبع كان أكثر التواقين للتخلص من راسبوتين للتخلص منه هوالأمير ” يوسوبوف” زوج الأميرة ايرينا ابنة أخ القيصر ، وفي منزله حيكت خيوط المؤامرة بالاتفاق مع أبن عم القيصر ديمتري بافالويتش والسياسي اليميني فلاديمير برشيكفيتش ، كانت الخطوة الأولى تتمثل بدعوة راسبوتين إلى قصر “مويكا” بحجة أن زوجة الأمير يوسوبوف تريد مقابلته ، وقد وقع راسبوتين بالفخ ، فأتى إلى القصر مرتديا ملابسه الأنيقة لاعتقاده بأنه سيقابل زوجة يوسوبوف الجميلة ، وحال دخوله القصر أستقبله يوسوبوف بحفاوة ودعاه للنزول إلى القبو لمقابلة زوجته ، وهناك في القبو قدموا له شرابا وكعكا مسموما يكفي لقتل خمسة أشخاص ، بيد أن راسبوتين لم يتأثر بالسم وظل متماسكا صلبا ، عندها نفذ صبر الأمير يوسوبوف فأمسك مسدسه وأطلق النار على ضيفه مباشرة ، فوقع راسبوتين أرضا وظن القتلة بأنه مات فغادروا ، لكن الأمير يوسوبوف عاد بعد قليل لأخذ معطفه ، وبينما هو بالقبو قرر أن يتفحص الجثة ، فقرب رأسه من وجه راسبوتين ليتأكد من موته ، وهنا فتح راسبوتين عينيه فجأة وأطبق بكل قوته على رقبة الأمير وكاد أن يقتله راسبوتين ، ثم نهض على قدميه تمكّن الرجل من الإفلات، فأسرع هارباً إلى الطابق العلوي لاستدعاء بقية المتآمرين، وبصعوبة بالغة ترنح راسبوتين خارجا إلى ساحة القصرلحق أحد المتآمرين بالراهب في الجوار حيث كان الثلج يغطي المكان،كان بفالوفيتش وبيرشيكفيتش يستعدان للمغادرة، فأطلق يرشيكفيتش النيران ثانية على راسبوتين المترنح، فسقط راسبوتين وضرباه بهراوة وقيداه، وركل المتآمر رأس الراهب الصريع فسقط أرضا بلا حراك ، لكن لم يتركوه هذه المرة ، لقد أيقنوا بأنهم أمام شيطان حقيقي وليس إنسانا كسائر البشر ، فضربوه ورفسوه ووضعوه في عربة ثم أخذوه إلى النهر حيث أغرقوه في مياهه الباردة ، إستُقْبِلَ الخبر بالفرح والسرور في أوساط الحكومة الروسية ودوائر العائلة الحاكمة وقد إعتبر البعض أنّ المتآمرين أبطالٌ، أمّا بالنسبة للفلاّحين الفقراء، فقد صار راسبوتين شهيداً، فهو الإنسان الذي برز من أوساط الشعب وقد قتله الأرستقراطيون ، وضعت القيصرة ألكساندرا المتآمرين قيد الاعتقال المنزلي، واكتشف القيصر أن مؤامرة داخل القصر كانت تنسج خيوطها،ولكن الأحداث ستكون أفظع،استمر التحقيق في الاغتيال أثناء عهد الثورة الشيوعية، لأن مقتله أثبت انتشار الفساد حتى على أعلى المستويات، والقيصر لا يسيطر على أمور

نبوءته بالقتل

نبوءته بالقتل

بعد عدة أيام طفت جثة راسبوتين على السطح ، وعندما أخرجوه وجدوا خطابا في جيبه موجها إلى القيصر يقول فيه : ” أنى أتوقع أن أموت قتلا هذا العام ، فإن كان قاتلي من عامة الشعب والفلاحين فسوف يستمر عرشك بضع سنوات أخرى ، أما إذا كان القتلة من النبلاء فلا عرش لك ولا لأولادك من بعدك ”
وبالفعل .. تحققت نبوءة راسبوتين فأطاحت الثورة الروسية بالحكم القيصري وبعد نجاح الثورة أقدم بعض العمال على استخراج جثة راسبوتين من قبره وأحرقوها في غابة مجاورة ، وبحسب الشهود ، فأن الحياة دبت بالجثة أثناء حرقها ، فقامت وجلست القرفصاء وبدا كأنها تريد أن تنهض لولا أن النار أحاطت بها من كل جانب وحولتها إلى رماد

عندما عثرت الشرطة على جثة راسبوتين بعد يومين من إلقائه دل تشريحها على وجود مياه في الرئتين، وأن راسبوتين كان ما زال حياً عندما ألقي به في النهر، ولكن برودة الماء تسببت بوفاته و بعد عشر أسابيع فقط من وفاته، أطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بأخر جيل من سلالة رومانوف،  وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة معزولة بإعدام القيصر نيقولا وعائلته بأكملها

راسبوتين شخصية ملهمة على مر العصور

لا زالت هذه الشخصية لحد الساعة تلهم الفنانين والكتاب والروائيين في إنتاج أعمالهم، نظرا للجانب الغامض الذي يكتنفها، في السبعينيات قدمت فرقة البوني إم الشهيرة عملا كوميديا جمعت فيه مآثر راسبوتين كذلك أوبرا “راسبوتين” للموسيقار الفلندي أنغوهاني بيتافارا سنة 2003، ورواية “راسبوتين” لجيسون هول سنة 2013، وأيضا مسلسل «غريغوري راسبوتين»، من إخراج أندريه ماليكوف، الذي بدأ عرضه في 27 أكتوبر 2014 على تلفزيون روسيا، ومسرحية «راسبوتين» 1961 من تأليف وتمثيل يوسف وهبي وإخراج حمدي غيث. وأحدث الأعمال الأدبية والفنية عنه: فيلم «راسبوتين» 2013، إنتاج فرنسي وروسي، وتمثيل جيرارد ديباردو وفاني آردنت

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.