مصر فى عيون الروس منذ قديم الزمان ١


مصر فى عيون الروس

كانت مصر ومازالت محط أنظار العالم والباحثين والعلماء،الذين طالما إهتموا بأولئك الذين بنوا حضارة عظيمة استمرت لحوالى 30 قرنا من الازدهار الفني، والثقافى ،والمعماري ،والسياسى فمصر كانت أول دولة تظهر فى العالم كوحدة سياسية مركزيه منذ استطاع الإنسان المصرى أن يحيا حياه مستقره على ضفاف وادى النيل، ومن هنا ارتبط تاريخ الحضارة الإنسانية بتاريخ الحضارة المصرية

مصرمحط الاهتمام في روسيا

 اهتم الروس بالمعطيات والآثار التاريخية والدينية والثقافية وعادات وأعراف الأقوام الواردة في التوراة والإنجيل، واستخدم المبدعون الروس نموذج مصر في ثقافتهم للتأكيد علي أفكارهم الأساسية فيما يتعلق برؤيتهم للعالم المحيط في هذه الحقبة الزمنية حتي بعد اعتناق الروس للعقيدة المسيحية(٩٨٨م) تم الاستعانة بالميثولوجيا المصرية للتأكيد علي حقيقة ومصداقية الدين الجديد، وأنه يمثل طوق النجاة للناس الذين عاشوا قبله لقرون في ظلام اللادينية

أيقظت العقيدة الجديدة حياة الشعب وشدت روحانيتها المؤمنين الروس إلى حج الأماكن المقدسة في فلسطين أرض التجسد والقيامة ومهبط الوحي ومهد المسيحية ،وهنا بدأت ما يمكن أن نطلق عليه بداية الرحلات الى الشرق الأدنى حيث بدأت مجموعة من من الحجاج والرحالة والمبعوثين الروس فى زيارة الأماكن المُقدسة وقاموا بتدوين ورسم مشاهداتهم الحية للبلاد التي مروا بها

بداية الرحلات فى القرن ال ١٥

قام الراهب فارسونوفي، من مدينة كييف، وإتجه الى الشرق الأدنى لأداء فريضة الحج (14611462)، كان ذلك فى فترة حكم إيفان الثالث 1462 إلى 1505م ، أمير روسيا المعظم مُجمـِع الأراضي الروسية ،والذى ظهرت فى عهده روسيا كدولة موحدة مركزيه عاصمتها موسكو، دوَّن الراهب فارسونوفي انطباعاته عن المدن الشرقية التي حل فيها فقال في وصف مدينة القاهرة ياقبط : “أما مدينة ياقبط فهي عظيمة وقائمة على منبسط عند حضيض جبل وتحتها يجري نهر من الجنة هو النيل الذهبي المجرى، عرض المدينة ميلان وطولها اثنا عشر ميلاً “، كما وصل أيضا إلى دير سانت كاترين فى مطلع سنة 1462م وسجل وصفاً تفصيلياً دقيقاً لمكونات الدير ومحتوياته، ولأول مرة ترد «الأهرامات المصرية» فى الكتابات الروسية فى كتابه المسيرة أو الرحلة  

في ديسمبر عام 1465م قطع الرحالة والتاجر الروسي الشهير فاسيلي آسيا الصغرى وزارسوريا وفلسطين، ووصل الى مدينة القاهرة،استغرقت الرحلة ثمانية شهور، سجل الرحالة فاسيلي ملاحظات ومعلومات قيمة عن  المدن وعمرانها وأسوارها وتحصيناتها والأنهار ونظم الري والحمامات والأسواق وسكان البلاد ومعتقداتهم، وكتب فاسيلي عن بعض المدن العربية التي زارها مثل حلب ودمشق والقاهرة يقول: “حلب كبيرة لدرجة يمكن مشاهدتها على بعد كبير، أما دمشق ففيها تجارة نشطة… ومدينة القاهرة كبيرة جداً وفيها آلاف من الشوارع… التي تضيئها المصابيح الزيتية وتحيط بها آلاف مؤلفة من الدور

الراهب الروسي إيجومين دانييل ، والذى ترك لنا واحدا من أهم الكتابات وهو (المسيرة)  والمدهش فى هذا الكتاب  هو اهتمام ذلك الراهب وولعه بطبيعة مصر الفريدة وعادات وطبائع أهلها وأعرافهم وعالم الحيوان كما وصف وكتب: الحيوان المائي ( التمساح )، رأسه كرأس الضفدعة، عينان بشريتان بأربع قوائم، كل واحدة تزيد عن الشبر قليلاً ،أو الكائن العجيب الطائر الجملي (النعامة) ،هذا الوصف الدقيق جعل من مسيرة دانييل أثراً فريداً وبارزاً من آثار الأدب الروسي المبكرو ظل على مدى القرون مصدراً موثوقاً لا غنى عنه في دراسة تاريخ وعمران وثقافة بلدان الشرق، الأمر الذي حثَّ العلماء والمؤرخين على ترجمته إلى اللغات الفرنسية والألمانية واليونانية

وفى سنة 1547م زار دير سانت كاترين اثنان من الرهبان الروس هما الأب جريجورى والأب سافرونى وقد سجلا ملاحظات قصيرة عن الأماكن التى قاموا بزيارتها، ثم الرحالة فاسيلى بوزنياكوف فقد سجل وصفاً دقيقاً عن رحلته لسيناء وفلسطين سنة 1558م،وكذلك فعل كل من التاجرين تريفون كاروبينيكوف ويورى جريكوف اللذين وصلا إلى سيناء سنة 1582م ولهما مدونات عن رحلتيهما للأماكن المقدسة فى سيناء،كما كانت هناك كتابات أخرى للزوار الروس لوصف زيارتهم لمقدسات سيناء وفاسيلى جريجوريفيتش بارسكى والذى ترك لنا روسومات فى مدوناته عن رحلاته الى الشرق.

مصر آمنة على مر العصور

الراهب السياسي والكاتب الروسي أرسيني سوخانوف (1668-1600) زار الإسكندرية عام 1649 وتحدث عن مسلّة الفرعون تحتمس الثالث، التي كانت قد نُقلت إلى القسطنطينية بناء على أمر الامبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول، علماً أن هذه المسلّة الآن باتت معلماً من معالم مدينة اسطنبول التركية حيث تُزيّن ساحة السلطان أحمد ، يتوقف سوخانوف عند مسلتي الاسكندرية ويصفهما وصفاً دقيقاً: “في مدينة الاسكندرية تقف الكثير من الاعمدة الحجرية من بينها ما هو مرتفع  ومتوسط الارتفاع وأعمدة صغيرة من المرمر، كلها مصنوعة من كتلة حجرية واحدة و دائرية الشكل. يخرج من البحر الابيض (المتوسط) خليج عظيم ويصل إلى جدران المدينة، و للمدينة بوابة عظيمة تنظر إلى البحر

بانوراما لمدينة الإسكندرية ترجع لعام 1730م جريجوريفيتش بارسكي

ويذكرالمؤرخ أناتولى بيرمينوف: “ان الحجاج الروس كانوا يختارون أثناء توجههم الى فلسطين الطريق عبر مصر فهي آمنة

الرحالة الروس أبدوا اهتماماً كبيراً بكل الأراضي المصرية، حتى بلاد النوبة ،لكن حتى مطلع القرن ال ١٨إقتصر الأمر على زيارة سيناء، لما لها من مكانة في نفوس المؤمنين إذ أنها الموضع الذي تلقّى فيه النبي موسى ألواح الوصايا العشر

فى مطلع القرن الـ 18 زاد اهتمام الرحّالة الروس بمصر ازدياداً ملحوظاً وهذا ما سنعرفه فى المقال القادم

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.